فصل: نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ خُبَيْب بن عديٍّ وسَعِيد بن عَامِرِ الْجمَحِيّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ مُصْعَب بْن عُمَيْرِ:

فَصْلٌ:
أَخْرَجَ ابْنُ سَعَدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَبْدَرِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مُصْعَبُ بْن عُمَيْرِ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالاً وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبَّانَهُ وَكَانَتْ أُمُّهُ مَلِيئَةً – أَيْ غَنِيَّة كَثِيرةَ الْمَالِ- تَكْسُوهُ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ، وَأَرَّقَهُ، وَكَانَ أَعْطَرُ أَهْلِ مَكَّةَ، يَلْبِسُ الْحَضْرَمِيُّ مِنَ النِّعَالِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهُ وَيَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ بِمَكَّةَ أَحْسَنَ لُمَّةً، وَلا أَرَقَ حُلَّةً، وَلا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَب بْن عُمَيْرٍ».
فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الإِسْلامِ فِي دَارِ أَرْقَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَصَدَّقَ بِهِ، وَخَرَجَ فَكَتَمَ إِسْلامَهُ، خَوْفًا مِنْ أُمِّهِ وَقَوْمِهِ، فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرًّا فَبَصُرَ بِهِ عُثْمَانُ بن طَلْحَةٍ يُصَلِّي فَأَخْبَرَ أَمَّهُ وَقَوْمَهُ فَأَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَجَعَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ رَجَعُوا، فَرَجَعَ مُتَغَيْرَ الْحَالِ قَدْ خَرَجَ فَكَفَّتْ أُمُّهُ عَنْهُ مِنَ الْعَذْلِ.
وَأَخْرَجَهَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُصْعَبِ بْن عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُقْبِلاً عَلَيْهِ إِهَابِ كَبْشٍ- أَيْ جَلْد كَبْشٍ- قَدْ تَمَنْطَقَ بِهِ - أَي شّدَّهُ فِي وَسَطِهِ، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يُغْذُوَانه بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتَ عَلَيْهِ حُلَّةً شَرَاهَا- أَوْ شُرِيَتْ- بِمَائَةِ دَرْهَمٍ فَدَعَاهُ حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ».
وَأَخْرَجَ التّرمُذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ رَاهَوِيهُ عَنْ عَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي غَدَاةٍ شَاتِيَةٍ مِنْ بِيْتِي جَائِعًا حَرصًا قَدْ أَذْلَقَنِي الْبَرْدُ، فَأَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُونًا كَانَ عِنْدنَا فَجَبَبْتُهُ.
ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ فِي عُنُقِي ثُمَّ حَزَّمْتُهُ عَلَى صَدْرِي اسْتَدْفِئُ بِهِ، فَوَاللهِ مَا فِي بَيْتِي شَيْء آكلُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَبَلَغَنِي، فَخَرَجْتُ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، فَاطَّلَعْتُ إِلَى يَهُودِيٍّ فِي حَائِطٍ مِنْ ثَغْرَةِ جِدَارِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعَرْابِيُّ هَلْ لَكَ فِي كُلّ دَلْو بِتَمَرَةٍ، فَقُلْتُ: نَعَم فَافْتَحْ الْحَائِطَ فَفَتَحَ لِي فَدَخَلْتُ أَنْزِعُ دَلْوًا وَيَعْطِينِي تَمْرَةً حَتَّى امْتَلاءَتْ كَفْي. قُلْتُ: حَسْبِي مِنْكَ الآن.
ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ فِي عُصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَاطَلَّعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي بُرْدَةٍ لَهُ مَرْقُوعَةٍ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَرَأىَ حَالَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا فَذَرِفَتْ عَيْنَاهُ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمِ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي أُخْرَى، وَسُتِرَتْ بِيوتَكْمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةَ» قُلْنَا: نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خُيْرٌ نُكْفَى الْمُؤْنَةَ، وَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ. قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمئِذٍ». وَاللهُ أَعْلَمُ.
اللَّهُمَّ أَنْظِمْنَا فِي سِلْكِ الْفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ وَعَافِنِا يَا مَوْلانَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة مِنْ جَمِيعِ الْبَلايَا وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِبِ فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةِ السَّهْمِيّ:

فَصْلٌ:
قِصْةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةِ السَّهْمِيّ مَعَ مَلِكِ الْفُرْسِ مَشْهُورَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي السُّنَّةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ حِينَ عَزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْعَثَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِكُتُبٍ إِلَى مُلُوكِ الأَعَاجِمِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ.
وَلَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُقَدِّرُ خُطُورَةَ هَذِهِ الْمُهِمَّةَ فَهَؤُلاءِ الرُّسُلِ سَيَذْهَبُونَ إِلَى بِلادٍ نَائِيَةٍ لا عَهْدَ لَهُمْ بِهَا مِنْ قَبْلُ، يَجْهَلُونَ لُغَاتِهِمْ وَلا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْ أَخْلاقِ مُلُوكِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَيَدْعُونَ هَؤُلاءِ إِلَى تَرْكِ مَا عَلَيْهِ آبَاؤهُمْ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ الإِسْلامِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ.
إِنَّهَا رِحْلَةٌ خَطِيرَةٌ الذَّاهِبُ إِلَيْهَا مَفْقُودٍ، وَالْعَائِدُ مَنْهَا مَوْلُودٌ، لِذَلِكَ جَمَعَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ وَقَامَ فِيْهِمْ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَتَشَهْدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُمْ إِلَى مُلُوكِ الأَعَاجِمِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ، كَمَا اخْتَلَفَتْ بَنُوا إِسْرَائِيل عَلَى عِيسَى بن مَرْيَم.
فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ نُؤَدِّي عَنْكَ مَا تُرِيدُ، فَابْعَثْنَا حَيْثُ شِئْتَ، انْتَدَبَ صلى الله عليه وسلم سِتَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَحْمِلُوا كُتُبَهُ إِلَى مُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَانَ أَحَدُ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ عَبْد اللهِ بن حَذَافَةَ السَّهْمِيُّ، اخْتَارَهُ لِحَمْلِ رِسَالَتِهِ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ.
فَجَهَّزَ عَبْدُ اللهِ رَاحِلَتَهُ وَوَدَّعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَمَضَى إِلَى غَايَتِهِ تَرْفَعُهُ النّجَادُ وَتَحُطُّهُ الْوِهَادُ، حَتَى دِيَارِ فَارِسٍ، فَاسْتَأْذَنَ بِالدُّخُولِ عَلَى مَلِكِهَا، وَأَخْطَرَ أَعْوَان الْمَلِكِ بِالرِّسَالَةِ التَّي يَحْمِلُهَا بِأَنَّهَا ذَاتَ اهْتِمَامٍ.
عِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ كِسْرَى بِإِيوَانِهِ فَزُيِّنَ، وَدَعَا عُظَمَاءِ فَارِسٍ لِحُضُورِ مَجْلِسِهِ، فَحَضَرُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بِالدُّخُولِ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْن حُذَافَة عَلَى سَيِّدِ فَارِسٍ، مُشْتَمِلاً شَمْلَتُهُ، مُرْتَدِيًا عبَاءَتِهِ الصَّفِيقَةِ، عَلَيْهِ بَسَاطَةُ الأَعْرَابِ.
لَكْنَّهُ عَالِي الْهِمَّةِ، مَشْدُودَ الْقَامَةِ، تَأَجَجُ بَيْنَ جَوَانِحِهِ عِزَّةُ الإِسْلامِ فَلَمَّا رَآهُ كِسْرَى مُقْبِلاً أَشَارَ إِلَى أَحَدِ رِجَالِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْكِتَابَ.
فَقَالَ: لا، إِنَّمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَدْفَعُهٌ لَكَ يَدًا بِيَدٍ لا أُخَالِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَسْرَى لِرِجَالِهِ: اتْرُكُوهُ يَدْنُو مِنِّي، فَدَنَا مِنْ كِسْرَى، فَنَاوَلَهُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ.
ثُمَّ دَعَا كِسْرَى كَاتِبًا عَرَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَفُضَّ الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ، فَإَذَا فِيهِ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتْبَعَ الْهُدَى».
وَلَمَّا سَمِعَ كِسْرَى هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الرِّسَالَةِ اشْتَعَلَ غَضَبَهُ فِي صَدْرِهِ فَاحْمَرَ وَجْهَهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَجَذَبَ الرِّسَالَةَ مِنْ يَدِ كَاتِبِهِ، وَجَعَلَ يُمَزِّقُهَا، دُونَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهَا، وَيَقُولُ: أَيَكْتُبْ لِي بِهَذَا وَهُوَ عَبْدِي.
ثُمَّ أَمَرَ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأُخْرِجَ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ لا يَدْرِي مَاذَا يَكُونُ بَعْدُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ: وَاللهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيُّ حَالٍ أَكُونَ بَعْدُ أَنْ أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَكِبَ رَاحِلَتُهُ وَانْطَلَقَ.
وَلَمَّا سَكَتَ غَضَب كِسْرَى، أَمَرَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَيْهِ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَرْسَلُوا فِي أَثَرِهِ، وَطَلَبَوُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَجِدُوُه، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى، وَتَمْزِيقِهِ الْكِتَابَ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلامُ عَلَى أَنْ قَالَ: «مَزَّقَ الله مُلْكَهُ».
أَمَّا كِسْرَى فَكَتَبَ إِلَى بَاذَانِ نَائِبِهِ عَلَى الْيَمَنِ، أَنْ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي ظَهَرَ بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ جَلِدَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ، وَمُرْهُمَا أَنْ يَأْتِيَانِ بِهِ، وَحَمَّلَهُمَا رِسَالةً لَهُ يَأْمُرهُمَا بِأَدَائِهَا لَهُ، وَيَأْمُرْهُ فِيهَا بِأَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى لِقَاءِ كِسْرى دُونَ إِبْطَاءٍ.
وَطَلَبَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَقِفَانِ عَلَى خَبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَقْصِيَا أَمْرَهُ، وَأَنْ يَأْتِياهُ بِمَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ مِنْ مَعْلُومَاتٍ.
فَخَرَجَ الرَّجُلانِ حَتَّى بَلَغَا الطَّائِفَ، فَوَجَدَا رِجَالاً تُجَّارًا مِنْ قُرِيْشٍ فَسَأَلاهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالُوا: هُوَ فِي يَثْرِب، ثُمَّ مَضَى التُّجَّارِ إِلَى مَكَّةَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ، وَجَعَلُوا يُهَنُّونَ قُرَيْشًا، وَيَقُولُونَ: قُرُّوا عَيْنًا فَإِنَّ كِسْرَى تَصَدَّى لِمُحَمَّدٍ وَكَفَاكُمْ شَرَّهُ.
أَمَّا الرَّجُلانِ فَيَمِمَّا وَجْهَيْهِمَا شَطْرَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا وَصَلا إِلَيْهِمَا، لَقِيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَدَفَعَا إِلَيْهِ رِسَالَةَ بَاذَانَ، وَقَالا لَهُ: إِنَّ مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى مَلِكِنَا بَاذَانَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَأْتِيهِ بِكِ.
وَقَدْ أَتَيْنَاكَ لِتَنْطَلِقَ مَعَنَا فَإِنَّ أَجَبْتَنَا كَلَّمْنَا كِسْرَى بِمَا يَنْفَعُكَ، وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ سُطْوَتَهُ، وَبَطْشَهُ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى إِهْلاكِكَ، وَإِهْلاكِ قَوْمِكَ.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لَهُمَا: «ارْجِعَا إِلَى رِحَالِكُمَا الْيَوْم، وَأْتِيَا غَدًا» فَلَمَّا غَدَوَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْم التَّالِي، أَخْبَرَهُمَا بِأَنَّ اللهَ قَتَلَ كِسْرَى حَيْثُ سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شيرويه فِي لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا.
فَحَدَّقَا فِي وَجْهِهِ وَبَدَتِ الدَّهْشَةُ عَلَى وَجْهَيْهِمَا، وَقَالا: أَتَدْرِي مَا تَقُولُ: أَنَكْتُبْ بِذَلِكَ لِبَاذَانَ. قَالَ: «نَعَم، وَقُولا لَهُ إِنْ دِينِي سَيَبْلُغُ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مُلْكَ كِسْرَى، وَإِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ، أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ» وَخَرَجَ الرَّجُلانِ مِنْ عِنْدَ الرَسُولِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَقَدِمَا عَلَى بَاذَانَ وَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ.
فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَهُوَ نَبِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَسَنَرَى فِيهِ رَأْيًا. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ عَلَى بَاذَانَ كَتَابَ شِيرَويه.
وَفِيهِ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ. فَقَدْ قَتَلْتُ كِسْرَى وَلَمْ أَقْتُلُهُ إِلا انْتِقَامًا لِقَوْمِنَا فَقَدْ اسْتَحَلَّ قَتْلَ أَشْرَافِهِمْ وَسَبَى نِسَائِهِمْ وَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ فَإَذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَة مِمَّنْ عِنْدكَ.
فَلَمَّا قَرَأَ بَاذَانُ الْكِتَابَ كِتَابَ شيرويه طَرَحَهُ جَانِبًا وَأَعْلَنَ دُخُولُهُ فِي الإِسْلامِ وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ.. انتهى.
اللَّهُمَّ أَنْظِمْنَا فِي سِلْكِ الْفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ، وَعَافِنَا يَا مَوْلانَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة مِنْ جَمِيعِ الْبَلايَا، وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِبِ فَضْلِكِ وَهِبَاتِكِ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْبِحِهِ أَجْمَعِينَ.
فَصْل: عَبْدُ اللهَ بن حُذَافَة وَقِصَّتُهُ مَعَ مَلِكِ الرُّومِ:
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: وَجَّهَ عُمَرُ بن الْخَطَّابَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَيْشًا إِلَى الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُل يُقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بن حُذَافَة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسَرَهُ الرُّومُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَنَصَّرَ وَأُشْرِكَكَ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي مَا تَمْلِكُ وَجَمِيعَ مَا مَلَكَتْهُ الْعَرَب عَلَى أَنْ أَرْجَعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم طَرْفَةَ عَيْنٍ مَا فَعَلْتُ. قَالَ: إِذَا أَقْتُلُكَ. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، وَقَالَ لِلرمَاةِ: ارْمُوهُ قَرِيبًا مِنْ بَدَنِهِ قَرِيبًا مِنْ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَأْبَى.
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ ثُمَّ دَعَا بِقِدْرٍ فَصُبَّ فِيه حَتَّى احْتَرَقَ، ثُمَّ دَعَا بِأْسِيرِيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا فَأُلْقِيَ فِيهَا، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ، وَهُوَ يَأْبَى ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ بِهِ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَكَى فَظَنَّ أَنَّهُ جَزِعَ، فَقَالَ: رُدُّوهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِِيَّةَ فَأَبَى فَقَالَ: مَا أَبْكَاكَ إِذًا.
قَالَ: أَبْكَانِي أَنِّي قُلْتُ فِي نَفْسِي تَلْقَى السَّاعَةَ فِي هَذَا الْقِدْرِ فَتَذْهَبَ فَكُنْتُ اشْتَهِي أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تُلْقى فِي اللهِ. قَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:
هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبْلَ رَأْسِي وَأُخْلِيَ مِنْكَ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ فِي نفسي: عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ، أُقَبِّلُ رَأْسَهُ يُخَلِّي عَنْي وَعَنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، لا أُبَالِي فَدَنَا مِنْهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الأُسَارَى، فَقَدِمَ بِهُمْ عَلَى عُمَر فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللهِ بن حُذَافَة، وَأَنَا أَبْدَأُ. فَقَامَ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ.
اللَّهُمَّ اجْعَلنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ الأَبْرَارِ وَأَسْكِنَّا مَعَهُمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ، اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا بِحُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَيْكَ وَالإِصْغَاءِ إِلَيْكَ وَوَفِّقْنَا لِلتَّعَاوُنِ فِي طَاعَتكَ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى خِدْمَتِكَ وَحُسْنِ الآدابِ فِي مُعَامَلَتِكَ وَالتَّسْلِيمِ لأَمْرِكَ والرِّضَا بِقَضَائِكَ وَالصَّبْرِ عَلَى بَلائِكَ وَالشُّكْرِ لِنَعْمَائِكَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَسِيرُ الْخَطَايَا عِنْدَ بَابِكَ يَقْرَعُ ** يَخَافُ وَيَرْجُو الْفَضْلَ فَالْفَضْلُ أَوْسَعُ

مُقِرٌّ بِأَثْقَالِ الذُّنُوبِ وَمُكْثِرٌ ** وَيَرْجُوكَ فِي غُفْرَانِهَا فَهُوَ يَطْمَعَ

فَإِنَّكَ ذُو الإِحْسَانِ وَالْجُودِ وَالْعَطَا ** لَكَ الْمَجْدَ وَالإِفْضَالَ وَالْمَنَّ أَجْمَعَ

فَكَمْ مِنْ قَبِيحٍ قَدْ سَتَرْت عَنْ الْوَرَى ** وَكَمْ نِعَمٌ تتَرَى عَيْنًا وَتُتْبَعُ

وَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْجَى سِوَاكَ وَيُتَّقَى ** وَأَنْتَ إِلَهُ الْخَلْقِ مَا شَئْتَ تَصْنَعُ

فَيَا مَنْ هُوَ الْقُدُّوسُ لا رَبَّ غَيْرَهُ ** تَبَارَكْتَ أَنْتَ اللهُ لِلْخَلْقِ مَرْجِعُ

وَيَا مَنْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فَوْقَ خَلْقِهِ ** تَبَارَكْتَ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ

بِأَسْمَائِكَ الْحُسُنْى وَأَوْصَافِكَ الْعُلَى ** تَوَسَّلَ عَبْدٌ بَائِسٌ يَتَضَرَّعُ

أَعِنِّي عَلَى الْمَوْتِ الْمَرِيرَةِ كَأْسُهُ ** إِذَا الرُّوحُ مِنْ بَيْنِ الْجَوَانِحِ تُنْزَعُ

وَكُنْ مُؤْنِسِي فِي ظُلْمَةِ الْقَبْرِ عِنْدَمَا ** يُرَّكَمُ مِنْ فَوْقِي التُّرَابَ وَأُودَعُ

وَثَبِّتْ جَنَانِي لِسُؤَالِ وَحُجَّتِي ** إِذَا قِيلَ مَنْ رُبٌّ وَمَنْ كُنْتَ تَتْبَعُ

وَمِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْحَشْرِ وَالْكَرْبِ نَجِّنِي ** إِذَا الرُّسُلِ وَالأَمْلاكِ وَالنَّاسِ خُشَّعٌ

وَيَا سَيِّدِي لا تُخْزِنِي فِي صَحِيفَتِي ** إِذَا الْصَّحْفُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ تُوَزَّعُ

وَهَبْ لِي كِتَابِي بِالْيَمِينِ وَثَقِّلَنَّ ** لِمِيزَان عَبْدٍ فِي رَجَائِكَ يَطْمَعُ

وَيَا رَبِّ خَلِّصْنِي مِن النَّارِ إِنَّهَا ** لَبِئْس مَقَرّ لِلْغُوَاة وَمَرْجِعُ

أَجِرْنِي أَجِرْنِي يَا إِلَهِي فلَيْسَ لِي ** سُوَاكَ مَفَرٌّ أَوْ مَلاذٌ وَمَفْزَعُ

وَهَبْ لِي شِفَاءٌ مِنْكَ رَبِي وَسَيِّدِي ** فَمَنْ ذَا الَّذِي للضُّرِّ غَيْرَكَ يَدْفَعُ

فأَنْتَ الَّذِي تُرْجَى لِكَشْفِ مُلَمَّةٍ ** وَتَسْمَعَ مُضْطَرًّا لِبَابِكَ يَقْرَعُ

فقَدْ أَعْيتِ الأَسْبَابُ وَانْقَطَعَ الرَّجَا ** سِوَى مِنْكَ يَا مَنْ لِلْخَلائِقِ مَفْزَعُ

إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ رَفَعْتُ شِكَايَتِي ** وَأَنْتَ بِمَا أَلْقَاهُ تَدْرِي وَتَسْمَعُ

فَفَرِّجْ لَنَا خَطْبًا عَظِيمًا وَمُعْضِلاً ** وَطَرَبًا يَكَادُ الْقَلْبُ مِنْهُ يُصَّدَعُ

وَمَاذَا عَلَى رَبِّي عَزِيزٌ وَفَضْلَهُ ** عَلَيْنَا مَدَى الأَنْفَاسِ يَهْمِي وَيَهْمَعُ

فَكَمْ مِنَحٍ أَعْطَى وَكَمْ مِحَنٍ كَفَى ** لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرَانُ وَالْمِنُّ أَجْمَعُ

وَأَزْكَى صَلاةِ اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ ** عَلَى الْمُصْطَفَى مَنْ فِي الْقِيَامَةِ يَشْفَعُ

اللَّهُمَّ انْهَجْ بِنَا مَنَاهِجَ الْمُفْلِحِين وأَلْبِسْنَا خِلَعَ الإِيمَانِ والْيَقِينَ وَخُصَّنَا مِنْكَ بالتَّوْفِيقِ الْمُبِين وَوَفِّقْنَا لِقَوْلِ الْحَقِّ وإتَّبَاعِهِ وَخَلَّصْنَا مِنْ الْبَاطِل وابْتِدَاعِهِ وَكَنْ لَنَا مَؤَيِّدًا وَلا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عَلَيْنَا يَدًا وَاجْعَلْ لَنَا عَيْشًا رَغَدًا وَلا تُشْمِتْ بِنَا عَدوًّا وَلا حَاسِدًا وَارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً وَفَهْمًا ذَكِيًّا وَطَبْعًا صَفِيًّا وَشِفًا مِنْ كُلّ دَاءٍ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.نَمَاذِج مِنْ صَبْرِ خُبَيْب بن عديٍّ وسَعِيد بن عَامِرِ الْجمَحِيّ:

فَصْل:
خُبَيْبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ أَحَدُ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللهِ الثَّابِتِِينَ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ ثُبُوتَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ وَمِمَّنْ حَضَرَهُ يَوْمَ قَتْلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَعِيدُ بن عَامِرِ الْجَمَحِيُّ: خَرَجَ إِلَى التَّنْعِيمِ فِي ظَاهِرَةِ مَكَّة بِدَعْوَةٍ مِنْ زُعَمَاءِ قُرَيْش لِيَشْهَدَ مَعَهُمْ مَصْرَعَ خُبَيْبٍ بن عُدَيٍّ أَحَدَ صَحَابَةِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَنْ ظَفَرَ بِهِ الأَعْدَاءُ الْمُشْرِكُونَ غَدْرًا.
وقَدْ أَقْدَرَهُ اللهُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُؤْيَةِ أَسِيرِ قُرَيْشٍ مُكَبَّلاً بِقُيُودِهِ يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ، فَوَقَفَ سَعِيدٌ يَطُلُّ عَلَى خُبَيْبٍ وَهُوَ يُقَدَّمُ إِلَى خَشَبَةِ الصَّلْبِ وَسُمِعَ صَوْتَ خُبَيْبٍِ الثَّابِتُ الْهَادِئُ يَقُولُ إِنْ شَئْتُمْ أَنْ تَتْرُكُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ مَصْرَعِي فَافْعَلُوا.
ثُمَّ نَظَرَ سَعِيدٌ إِلَيْهِ وَهُوَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُصَلَّي رَكْعَتَيْنِ يَا لِحُسْنِهِمَا وَيَا لِتَمَامِهِمَا وَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ تَظُنُوا أَنِّي أَطَلْتُ الصَّلاةَ جَزِعًا مِنَ الْمَوْت لا اسْتَكْثَرْتُ مِنَ الصَّلاةِ.
ثُمَّ رَأَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يُمَثِّلُونَ بِخُبِيْبٍ حَيًّا وَيَقْطَعُونَ مِنْهُ الْقِطْعَةَ تِلْوَ الْقِطْعَةِ وَيَقُولُونَ لَهُ أَتُحِبّ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَكَانَكَ وَأَنْتَ نَاجٍ، فيَقُولُ والدِّمَاء تَنْزِفُ مِنْهُ وَالرُّوحُ تَتَسَلَّلُ مِنْ بَدَنِهِ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ آمِنًا وَادِعًا فِي أَهْلِي وَوَلَدِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا يُوخَزُ بِشَوْكَةٍ.
وَلا غُرْوَ بِالأَشْرَافِ إِنْ ظَفَرَتْ بِهُمْ ** كِلابُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِ

فَحَرْبَةُ وَحْشِيّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى ** وَمَوْتُ عَلِيٍّ مِنْ حُسَامِ ابن مُلْجَم

ثُمَّ أَبْصَرَ سَعِيدٍ بن عَامِر خُبَيْبًا وَهُوَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِ خَشَبَةِ الصَّلْبِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا وَلا تُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ خَرَجَ رُوحُهُ الطَّيِّبَةُ وَبِهِ الشَيْءُ الْكَبِيرُ مِنْ ضَرَبَاتِ السِّيُوفِ وَطَعَنَاتِ الرِّمَاحِ.
ثُمَّ إِنْ سَعِيدَ أَخَذَ دَرْسًا، فَعَلِمَ أَنَّ الْحَيَاةَ الْحَقْةَ عَقِيدَةٌ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى الْمَوْتَ، وَعَلِمَ أَنَّ الإِيمَانَ الثَّابِتَ لا يُزِلْزِلَهُ شَيْءٌ الْبَتَّة.
وَعَلِمَ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي تَبْلُغُ مَحَبَّتُهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ إِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ مُؤَيْدٌ مِنَ السَّمَاءِ، عِنْدَ ذَلِكَ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ سَعِيد بن عَامِر لِلإِسْلامِ فَقَامَ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَأَعْلَنَ بَرَاءَةَ مَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَهَاجَرَ سَعِيدُ بن عَامِر إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَزَمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ مَعَهُ خَيْبَرَ، وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْغَزَوَاتِ.
وَلَمَّا تُوُفِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَلَّ سَيْفًا مَسْلُولاً فِي يَدَيْ خَلِيفَتِيِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانَا يَعْرِفَانِ لَهُ صِدْقَهُ وَتَقْوَاهُ.
وَلَمَّا آلَتِ الْخِلافَةُ إِلَى عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَاهُ سَعِيدُ فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ أُوصِيكَ أَنْ تَخْشَى اللهَ فِي النَّاسِ، وَلا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللهِ، وَأَنْ لا يُخَالِفَ قَوْلُكَ فِعْلَكَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا صَدَّقَهُ الْفِعْلُ.
يا عُمَر أَقِمْ وَجْهَكَ لِمَن وَلاكَ اللهُ أَمْرُهُ مِنَ بَعِيدِ الْمُسْلِمِينَ وَقَرِيبِهِمْ، وَأَحِبَّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ وَلا تَخَفْ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.
فَقَالَ عُمَر: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَا سَعِيدُ؟ فَقَالَ: يَسْتَطِيعُهُ مِثْلُكَ مِمَّنْ وَلاهُمْ اللهُ أَمْرَ أَمَّةِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أَحَدٌ. عِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عُمَرُ سَعِيدًا إِلَى مُسَاعَدَتِهِ فَقَالَ... لَهُ: إِنَّا مُوَلُوكَ حَمْصَ. فَقَالَ: يَا عُمَر نَشَدْتُكَ اللهَ لا تَفْتِنِي. فَغَضَبَ عُمَرُ وَقَالَ: وَيْحَكُمْ وَضَعْتُمْ هَذَا الأَمْرَ فِي عُنُقِي ثُمَّ تَخَلَّيْتُمْ عَنِّي، وَاللهِ لا أَدَعُكَ ثُمَّ أَلْزَمَهُ بِحِمْص وَقَالَ: أَلا نَفْرِضُ لَكَ رِزْقًا؟: وَمَا أَفْعَلُ بِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ عَطَائِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِي.
ثُمَّ مَضَى وَالِيًا عَلَى حِمْص وَمَا مَضَى إِلا زَمَنٌ يَسِيرُ حَتَّى جَاءَ بَعْضُ أَهْلِ حِمْص إِلَى عُمَر فَقَالَ: اكْتُبُوا أَسْمَاءَ الْفُقَرَاءِ عِنْدَكُمْ بِحِمْص حَتَّى أَسُدَّ حَاجَتِهِمْ، فَرَفَعُوا لَهُ كِتَابًا فِيهِ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ الْمَوْجُودِينَ بِحِمْص وَمِنْ جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ الْمَكْتُوبِينَ سَعِيد بن عَامِرِ الْجَمَحِيّ.
فَقَالَ عُمَر مَنْ سَعِيد بن عَامِرٍ، فَقَالُوا: أَمِيرُنَا. قَالَ: أَمِيرُكُمْ فَقِيرٌ؟ قَالُوا: نَعَم، وَاللهِ إِنَّهُ لَيَمُرُّ عَلَيْهِ الأَيَّامُ الطِّوَالُ، وَلا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ. فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بُكَاءً شَدِيدًا، حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ.
ثُمَّ عَمِدَ إِلَى أَلْف دِينَارٍ فَجَعَلَهَا فِي صُرَّةٍ وَقَالَ: اقْرَؤُا عَلَيْهِ السَّلامَ وَقُولُوا لَهُ يَسْتَعِينُ بِهَذَا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَجَاءُوهُ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا وَأَخْبَرُوهُ، جَعَلَ يُبْعِدُهَا عَنْهُ، وَيَسْتَرْجِعُ.
فَجَاءَتْ زَوْجَتَهُ وَقَالَتْ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ أمَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: دَخَلَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا لِتُفْسِدَ آخِرَتِي وَحَلَّتِ الْفِتْنَةِ فِي بَيْتِي. قَالَتْ: تَخَلَّصَ مَنْهَا. قَالَ: هَلْ تُعِينِينِي عَلَى ذَلِكَ. قَالَتْ: نَعَم. فَوَزَّعَهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ لَمْ يَمْضِ إِلا مُدَّةً يَسِيرَةً حَتَّى أَتَى عُمَر عَلَى حِمْصٍ يَتَفَقَّدُهَا وَيَسْأَلُ عَنْ أَمِيرِهِمْ وَسِيرَتِهِ مَعَهُمْ، وَهَلْ نَقَمُوا عَلَيْهِ بشَيْء، فَذَكَرُوا أَرْبَعَ:
أحدها: قَالُوا أَنَّهُ لا يخَرَجَ إِلَيْنَا حَتَّى يتَعَالَى النَّهَارَ. فَسَأَلَ عُمَرُ سَعِيدًا: لِمَاذَا؟ فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ، وَلَكِنَ حَيْثُ أَنَّهُ لابد مِنْ تَوْضِيحِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لأهْلِي خَادِمٌ فَأَقُومُ الْصُّبْحَ فَأَعْجِنُ لَهُمْ عَجِينَهُمْ، ثُمَّ انْتَظِرَهُ يَخْتَمِرُ، ثُمَّ أَقُومُ فَأَخْبِزَهُ لَهُمْ، ثُمَّ أَتَوَضَّأُ وَأَخْرَجَ إِلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الثَّانِيَة: فَقَالُوا: أَنَّهُ لا يُجِيبُ أَحَدًا بِالليْلِ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَذْكُرُهُ، وَلَكْن لَمَّا أَنَّهُ لابد مِنْ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ النَّهَارَ لَهُمْ وَلِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ الليْلَ.
قَالَ عُمَر: وَمَا هِيَ الثَّالِثَة؟ قَالُوا: أَنَّهُ لا يخَرَجَ يَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَنَّهُ لَيْسَ لي خَادِمٌ، ولَيْسَ عِنْدِي ثِيَابٌ غَيْرَ التِي عَلَيَّ فَأَنَا أَغْسِلُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّة وَأَنْتَظِرُهَا حَتَّى تَجِفَّ، ثُمَّ أَخْرَجُ إِلَيْهِمْ آخِرَ النَّهَارَ.
وَأَمَّا الرَّابِعَة: فَقَالُوا أَنَّهُ تُصِيبَهُ غَشْيَة فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ فَيَغِيبَ عَمَّنْ فِي الْمَجْلِسِ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْهَا فَقَالَ: إِنِّي حَضَرْتُ مَصْرَعَ خُبَيْب بن عَدِيٍّ، وَأَنَا مُشْرِكٌ وَرَأَيْتُ قُرَيْشًا تُقَطِّعُ جَسَدَهُ وَهِيَ تَقُولُ: أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَكَانَكَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ آمِنًا وَأَهْلِي وَوَلَدِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا تَشُوكُهُ شَوْكَة.
فَإِذَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ الْمَشْهَدَ وَأَنَّي لَمْ أَنْصُرُهُ ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرَ لِي فَتُصِيبَنِي تِلْكَ الْغَشْيَة. ثُمَّ بَعَثَ لَهُ عُمَرُ بِأَلْف دِينَارٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى حَوَائِجِهِ، فَلَمَّا عَلِمَتْ زَوْجَتَهُ قَالَتْ: الْحَمْدُ لله الَّذِي أَغْنَانَا عَنْ خِدْمَتِكَ أشْتَرِ لَنَا مُؤْنَة وَاسْتَأْجِر لَنَا خَادِمًا فَقَالَ لَهَا: وَهَلْ لَكَ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: نَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَأْتِينَا بِهَا وَنَحْنُ أَحْوَجُ مَا نَكُونُ إِلَيْهَا. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: نُقْرِضُهَا اللهُ قَرْضًا حَسَنًا. قَالَتْ: نَعَم وَجُزِيتَ خَيْرًا فَمَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى وَزَّعَهَا عَلَى الأَيْتَامِ وَالأرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ. فرَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ لَقَدْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفِسِهِمْ. اهـ. باختصار.
وَمَا النَّاس إِلا رَاحِلُونَ وَبَيْنَهُمْ ** رِجَال ثَوَتْ آثَارُهُمْ كَالْمَعَالِمِ

بِعِزَّةِ بَأْسٍ وَطَلاعِ بَصِيرَةٍ ** وَهَزَّةِ نَفْسٍ وَتَسَاع مَرَاحِم

حُظُوظُ كَمَالٍ أَظْهَرَتْ مِنْ عَجَائِبِ ** بِمْرَآتِ شَخْص مَا اخْتَفَى فِي الْعَوَالِمِ

وَمَا يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ يَخْتَصُّ نَفْسَهُ ** أَلا إِنَّمَا التَّخْصِيصُ قِسْمَةُ رَاحِمٍ

وَمَنْ عَرِفَ الدُّنْيَا تَيَقَّنَ أَنَّهَ ** مَطِيَّةُ يَقْظَانٍ وَطِيْفَةُ حَالِمٍ

فَلِلهِ سَاعٍ فِي مَنَاهِجِ طَاعَة ** لإِيَلاف عَدْل أَوْ لإتْلافِ ظَالِم

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَاخَلْصْ عَمَلَنَا مِنَ الرِّيَاءِ وَمَكْسَبْنَا مِنَ الرِّبَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَثَبِّتْهَا عَلَى طَاعَتِكَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا، اللَّهُمَّ اعْطِنَا مِنَ الْخَيْرِ فَوْقَ مَا نَرْجُو وَاصْرِفْ عَنَّا مِنَ السُّوءِ فَوْقَ مَا نَحْذَرُ. اللَّهُمَّ عَلِّقْ قُلُوبَنَا بِرَجَائِكَ وَاقْطَعْ رَجَاءَنَا عَمَّنْ سِوَاكَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ عُيُوبَنَا فَاسْتُرْهَا، وَتَعْلَمُ حَاجَاتَنَا فَاقْضِهَا كَفَى بِكَ وَلِِيًّا وَكَفَى بِكَ نَصِيرًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِسُلُوكِ سَبيلَ عِبَادِكَ الأَخْيَارِ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِيينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فَصْلٌ: لِلْبَرْاءِ بن مَالِك الأَنْصَارِيّ أَخُو أَنَسِ بن مَالِكِ خَادِمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْبَراءُ شُجَاعًا قَتَلَ مَائَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُبَارَزَةً وَهُوَ وَحْدُهُ غَيْرَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ فِي غِمَارِ الْمَعَارِكِ مَعَ الْمُحَارِبِينَ.
وَبَعْد أَنْ الْتَحَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى ارْتَدَّ قَبَائِلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَخَرَجُوا مِنَ الإِسْلامِِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَهْلُ مَكَّةِ وَالْمَدِينَةِ، وَجَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَة هُنَا وَهُنَاكَ مِمَّنْ ثَبِّتْ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ.
وَصَمَدَ الصَّدِيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِهَذِهِ الْفِتْنَةِ الْمُدَمِّرَةِ الْعَمْيَاءِ صُمُودَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ، وَجَهَّزَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ أَحَدَ عَشَرَ جَيْشًا.
وَعَقَدَ لِقَادَةِ هَذِهِ الْجُيُوشِ أَحَدَ عَشَرَ لِوَاءَ وَدَفَعَ بِهِمْ فِي أَرْجَاءِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِيُعِيدُوا الْمُرْتَدِّينَ إِلَى سَبِيلِ الْهُدَى وَالْحَقِّ.
وَكَانَ أَقْوَى الْمُرْتَدِّينَ بَأْسًا وَأَكْثَرُهُمْ عَدَدًا بَنُوا حَنِيفَةَ، أَصْحَاب مُسَيْلَمَة الْكَذَّاب فقَدْ اجْتَمَعَ مَعَ مُسَيْلَمَة مِنْ قَوْمِهِ وَحُلَفَائِهِ أَرْبَعُونَ أَلْفَ وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ قَدْ اتَّبَعُوا مُسَيْلَمَة عَصَبِيَّة لا إِيمَانًا بِهِ.
فلِذَلِكَ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلَمَةَ كَذَّابٌ وَمُحَمَّدًا صَادِقٌ لَكِنْ كَذَابَ رَبِيعَة أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادِقِ مُضْرٍ: قَدَرَ اللهُ أَن جَيْشَ مُسَيْلَمَة يَهْزِمُ أَوْلَ جَيْشٍ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ بِقِيَادَةِ عَكْرِمَة بن أَبِي جَهْلٍ.
فَأَرْسَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَيْشًا ثَانِيًا بِقِيَادَةِ خَالِدِ بن الْوَلِيدِ حَشَدَ فِيهِ وُجُوهَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.
وَكَانَ فِي طَلِيعَةِ هَؤلاءِ الْبَرَاءُ بن مَالِكِ الأَنْصَارِي وَنَفَرٌ مِنْ كُُمَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْتَقَى الْجَيْشَانِ فِي أَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ رَجَحَتْ كَفَّةُ مُسَيْلِمَة وَأَصْحَابِهِ وَزُلْزَلَتْ الأَرْضُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْلِمِينَ وَطَفِقُوا يَتَرَاجَعُونَ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ حَتَّى اقْتَحَمَ قَوْمُ مُسَيْلَمَة وَمَنْ مَعَهُ فَسْطَاد خَالِدِ بن الْوَلِيدِ وَاقْتَلَعُوهُ مِنْ أُصُولِهِ.
عَنْدَ ذَلِكَ شَعَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَطَرِ الدَّاهِمِ وَأَدْرَكُوا أَنَّهُمْ إِنْ يُهْزَمُوا أَمَامَ مُسَيْلَمَة فَلَنْ تَقُومَ لِلإِسْلامِ قَائِمَةً، وَهَبَّ خَالِدٌ إِلَى جَيْشِهِ فَأَعَادَ تَنْظِيمِهِ فَمَيَّزَ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ الأَنْصَارِ، وَمَيَّزَ أَبْنَاء الْبَوَادِي عَنْ هَؤلاءِ وَهَؤلاءِ، وَجمَعَ أَبْنَاءَ كُلَّ أَبٍّ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ لِيُعْرَفَ بَلاءُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَلْيُعْلَمْ مِنْ أَيْنَ أَتَى الْمُسْلِمُونَ.
ثُمَّ دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ مَعْرَكَةً ضَرُوسٍ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا نَظِيرٌ، وثَبَتَ قَوْمُ مُسَيْلَمَة فِي سَاحَاتِ الْوَغَى ثُبُوتَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ وَلَمْ يُبَالُوا بِكَثْرَةِ مَا قُتِلَ مِنْهُمْ، وَأَبْدَى الْمُسْلِمُونَ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْبُطُولَةِ مَا لَوْ جُمِعَ لكَانَ مَلْحَمَة مِنْ رَوَائِعِ الْمَلاحِمِ.
فَهَذَا ثَابِتٌ بن قَيْس حَامِلُ لِوَاءَ الأَنْصَارِ يَتَحَنَّطُ وَيَتَكَفَّنُ وَيَحْفُرُ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً فِي الأَرْضِ فَيَنْزِلُ فِيهَا إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَيَبْقَى ثَابِتًا يُجَالِدُ عَنْ رَايَةِ قَوْمِهُ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا شَهِيدًا.
وَهَذَا زَيْدُ بن الْخَطَّابِ أَخُو عُمَر رضي الله عنهما يُنَادِي فِي الْمُسْلِمِينَ أَيُّهَا النَّاسُ عُضُّوا عَلَى أَضْرَاسِكُمْ وَاضْرِبُوا فِي عَدِوِّكَمْ وَامْضُوا قُدُمًا، أَيُّهَا النَّاسُ وَاللهِ، لا أَتَكَلَّمُ بَعَدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَبَدًا حَتَّى يُهْزَم مُسَيْلَمْة أَوْ أَلْقَى اللهُ فَأُدْلِي إِلَيْهِ بِحُجَّتِي، ثُمَّ كَرَّ عَلَى قَوْمِهِ فَمَا زَالَ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ.
وَهَذَا سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَحْمِلُ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ فَيَخْشَى عَلَيْهِ قَوْمُهُ أَنْ يَضْعَفَ أَوْ يَتَزَعْزَعَ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا لَنَخْشَى أَنْ نُؤْتَى مِنْ قِبَلَكَ فَقَالَ: إِنْ أُتِيتُمْ مِنْ قِبَلِي فَبِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنُ أَكُونُ، ثُمَّ كَرَّ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ كَرَّةً بَاسِلَةً حَتَّى أُصِيبَ.
فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ أَنَّ الْوَطِيسَ حَمَى وَاشْتَدَّ الْتَفَتَ إِلَى الْبَرَاءِ بن مَالِك وَقَالَ: إِلَيْهِمْ يَا فَتَى الأَنْصَارِ، فَالْتَفَتَ الْبراءُ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لا يُفَكِّرَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى يَثْرِبَ، فَلا مَدِينَةَ لَكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجَنَّة.
ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الأَعْدَاءِ وَحَمَلُوا مَعَهُ وَانْبَرَى يَشُقُّ الصُّفُوفَ، وَيَعْمَلُ السَّيْف فِي رِقَابِ أَعْدَاءِ اللهِ حَتَّى زُلْزِلَتْ أَقْدَامُ مُسَيْلَمَةٍ وَأَصْحَابِهِ، فَلَجَؤُوا إِلَى الْحَدِيقَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِحَدِيقَةِ الْمَوْتِ لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَغْلَقَ مُسَيْلَمَةُ وَآلافٌ مَعَهُ مِنْ جُنْدِهِ الأَبْوَابِ وَتَحَصَّنُوا بِعَالِي جُدْرَانِهَا وَجَعَلُوا يُمْطِرُونَ الْمُسْلِمِينَ بِنِبَالِهِمْ مِنْ دَاخِلِهَا فَتَتَسَاقَطُ عَلَيْهمْ تَسَاقُطَ الْمَطَر.
عَنْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ الْبَرَّاءُ بن مَالِكٍ وَقَالَ: يَا قَوْمِ ضَعُونِي عَلَى تِرْسٍ وَارْفَعُوا التِّرْسَ عَلَى الرِّمَاحِ ثُمَّ اقْذِفُونِي بِالْحَدِيقَةِ قَرِيبًا مِنْ بَابِهَا فَأَمَّا أَنْ أُسْتشهدَ وَإمَّا أَنْ أَفْتَحَ الْبَابَ. وَفِي زَمَنٍ يَسِيرٍ جَلَسَ الْبراءُ عَلَى التِّرْسِ وَرَفَعَتْهُ الرِّمَاحُ وَأَلْقَتْهُ فِي حَدِيقَةِ الْمَوْتِ قُرْبَ الْبَابِ بَيْنَ الآلافِ الْمُؤَلَّفَة مِنْ جُنْدِ مُسَيْلَمَةٍ.
فَنَزَلَ عَلَيْهُمْ نُزُولَ الصَّاعِقَة فَجَالَدَهُمْ أَمَامَ بَابِ الْحَدِيقَةِ حَتَّى قَتَلَ عَشْرَةً مِنْهُمْ، وَفَتَحَ الْبَابَ لِلْمُسِلِمِينَ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةٌ فَتَدَفَّقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْحَدِيقَةِ مِنْ حِيطَانِهَا وَأَبْوَابِهَا وَاعَمَلُوا السِّيُوفَ فِي رِقَابِ الْمُرْتَدِينَ حَتَّى قَتَلَوا مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا وَوَصَلُوا إِلَى مُسَيْلَمَة الْكَذَّابِ فَقَتَلُوهُ.
ثُمَّ حَمَلُوا الْبَرَاءَ بن مَالِكٍ إِلَى رَحْلِهِ لَيُدَاوَى فِيهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ خَالِدُ بن الْوَلِيد شَهْرًا يُعَالِجَهُ حَتَّى أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالشِّفَاءِ وَظَلَّ الْبراءُ بَعْدُ ذَلِكَ يَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ يَوْمَ الْحَدِيقَةِ حَتَّى فَتَحَ تَسْتر مِنْ بِلادِ الْفُرْسِ فِي إِحْدَى الْقِلاع الْمُمَرَّدَة.
فَحَاصَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَحَاطُُوا بِهُمْ فَلَمَّا طَالَ الْحِصَارُ وَاشْتِدَّ الْبَلاءُ عَلَى الْفُرْسِ جَعَلُوا يَدُلُّونَ مِنْ فَوْقِ أَسْوَارِ الْقَلْعَةِ سَلاسِلَ مِنْ حَدِيدٍ عُلِّقَتْ بِهَا كَلالِيب مِنْ فُولاذٍ حُمِيَتْ بِالنَّارِ فَكَانَتَ تَنْشِبُ فِي أَجْسَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِقُ بِهُمْ فَيَرْفَعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ إِمَّا مَوْتَى وَإِلا عَلَى الْمَوْتِ فَعَلَقَ كَلُوبٌ مَنْهَا بِأَنَس بن مَالِكِ أَخِي الْبَرَاءِ بن مَالِكِ.
فَوَثَبَ الْبَراءُ عَلَى جِدَارِ الْحِصْنِ وَأَمْسَكَ السِّلْسِلَةَ الَّتِي مَسَكَتْ أَخَاهُ وَجَعَلَ يُعَالِجُ الْكِلابَ لِيُخْرِجَهُ مِنْ جَسَدِ أَخِيهِ وَأَخَذَتْ يَدَاهُ تَحْتَرِقُ فَلَمْ يُبَالِ إِلَى أَنْ خَلَّصَ أَخَاهُ وَهَبَطَ إِلَى الأَرْضِ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ يَدَهُ عِظَامًا لَيْسَ عَلَيْهَا لَحْمٌ ثُمَّ دَعَا الْبَراءُ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ فَأَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَاسْتَشْهَدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. اهـ.، بِاخْتِصَارٍ مِنْ صُوَرٍ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
لَهْفِي عَلَى سُرِجَ الدُّنْيَا الَّتِي طُفِئَتْ ** وَلا يَزَالُ لَهَا فِي النَّاسِ أَنْوَارُ

لَهْفِي عَلَيْهِمْ رِجَالاً طَالَمَا صَبَرُوا ** وَهَكَذَا طَالِبُ الْعَلْيَاءِ صَبَّارُ

لَهْفِي عَلَيْهِمْ رِجَالاً طَالَمَا عَدَلُوا ** بَيْنَ الأَنَامِ وَمَا حَابُوا وَلا مَارُوا

مَالُوا يَمِينًا عَنْ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا ** لأَنَّهَا فِي عُيُونِ الْقَوْمِ أَقْذَارُ

وَصَاحَبُوهَا بِأَجْسَادِ قُلُوبِهِمْ ** طَيْرٌ لَهَا فِي ظِلالِ الْعَرْشِ أَوْكَارُ

اللَّهُمَّ قَوِّ مَحَبَتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَثَبِّتْنَا عَلَى قَوْلِكَ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة وَاجْعَلنَا هُدَاهً مُهْتَدِينَ سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ حَرْبًا لأَعْدَائِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلانِيَّتِنَا وَتَسْمَعُ كَلامَنَا وتَرَى مَكَانَنَا لا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنَا نَحْنُ الْبُؤَسَاءُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْكَ الْمُسْتِغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ بِكَ نَسْأَلُكَ أَنْ تُقَيِّضَ لِدِينِكَ مَنْ يَنْصُرُهُ وَيُزِيلُ مَا حَدَثَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَيُقِيمُ عَلَمَ الْجِهَادِ وَيَقْمَعُ أَهْلَ الزَّيْغِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.